مقالات ومختارات وفيديوهات جيولوجية

test

أخر الاخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

الجمعة، 8 يونيو 2018

تاريخ الجيولوجيا

الأغريق القدماء



أول من كتب عن الأرض هم الإغريق القدماء. وقد كان العديد من كتاباتهم مزيجًا من الحقائق والخرافات والأساطير والتخمينات ومعتقدات ذلك العصر. ففي القرن السادس قبل الميلاد، أعلن الفيلسوفان طاليس وأناكسمندر أن أحافير السمك هي بقايا لحياة سالفة. وأدْركا أيضًا أن الماء يسهم في تشكيل مناطق اليابسة بترسيب الرمل والوحل في مصبّات الأنهار. وفي القرن الخامس قبل الميلاد لاحظ المؤرخ هيرودوت كيف يشكّل الماء اليابسة، واعتقد أن الأحافير البحرية في مصر السفلى، كانت دليلاً على أن البحر قد غطى هذه اليابسة فيما مضى. وقد اعتقد أمبيدوقليز ـ وهو فيلسوف ـ في القرن الخامس قبل الميلاد، أن باطن الأرض كان سائلاً ساخنًا، وأن جميع الأشياء أتت من الأرض أو الهواء أو النار أو الماء. واعتقد الفيلسوف أرسطو ـ الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد ـ أن الأرض قد نمت حتى وصلت إلى حجمها الحالي مثل الشيء الحي.
وكتب تلميذه سقراط مقالة بعنوان ما يتعلق بالأحجار، وقد جمع هذا العمل، ولأول مرة ـ جميع المعلومات المعروفة آنذاك عن الصخور والمعادن والأحافير. وفي عام 7 ق.م تقريبًا كتب الجغرافي والمؤرخ سترابو مجلد ـ 17 الجغرافيا. وقد أدرك أن ارتفاع الأراضي وهبوطها ينتج جزئيًا من البراكين والزلازل.



الرومان



أضاف الرومان كتابات عن الجيولوجيا، كانت أكثر إقناعًا من تلك التي كتبها الإغريق. وتضمنت كتابات الرومان أيضًا كثيرًا من الْخُرافات والتخمين، والعديد من تلك الكتابات وصف الخامات المعدنية وتجارة المعادن والتعدين في الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف. ففي عام60م كتب الفيلسوف لوسيوس أنايوس سنيكا مقالته مسائل طبيعية. وقد حوت معلومات تفصيلية عن الزلازل والبراكين وكذلك عن المياه السطحية والجوفية.
شمل المجلد ـ 37 تاريخ طبيعي الذي كتبه بليني الأكبر، كل المعرفة الرومانية عن الصخور والمعادن والأحافير. وقد توفي بليني في عام 79م عندما كان يراقب ثورة بركان فيزوف الذي دمّر مدينتي بومبي وهيركولانيم. وقدم ابن أخيه وابنه بالتبني بليني الأصغر مساهمات غير متوقعة في مجال الجيولوجيا. فقد كتب في رسائل عن موت عمه، وعن وصف ثورة البركان والزلزال الذي صاحبه.



العرب والمسلمون



بنيت جهود العلماء العرب والمسلمين في الجيولوجيا على المنطق والدقة والتجربة بخلاف من سبقهم من الإغريق والرومان؛ ففي عام 210هـ، 825م قاسوا محيط الأرض وقطرها، وكان قياسهم قريبًا لما يقرره العلم الحديث، وكتب الكندي عن كروية الأرض وكروية سطح الماء في الفترة من 230 - 250هـ، 845 - 864م.
تناول ابن سينا كثيرًا من آرائه الجيولوجية في كتابه الشفاء في الجزء الذي سماه المعادن والآثار العلوية؛ فقد تحدث عن الزلازل وأسبابها وما يصاحبها، وقسم الزلازل إلى أنواع. وكان أول من أشار إلى أنّ خسف الأرض (الهبوط) يسببه خروج الحمم البركانية، كما أن الزلازل تفتح عيون الماء في المناطق التي تحدث فيها، كما أشار إلى قانون تعاقب الطبقات، وبذا يسبق الدنماركي نيكولاس ستينو في هذا الصدد.
أشار ابن سينا أيضًا إلى سببين من أسباب تكون الجبال وهما: الحركات الأرضية الرافعة، وعوامل التعرية.
كان كتاب الشفاء منطلقًا للجيولوجيا في أوروبا، فقد ترجم ألفرد سيريشل الجزء الخاص بالمعادن منه عام 1200م ونسبه إلى أرسطو، وكان ذلك دأب كثير من المترجمين بل والدارسين الغربيين إذ ذاك، حيث كانوا ينسبون أعمال العلماء العرب لأنفسهم أو لآخرين، وقد اعترف ليوناردو دافينشي نحو عام 900هـ، 1494م أنه استقى معلوماته عن الأحجار والأحافير من الكتب المشهورة لابن سينا.
كان للعرب والمسلمين نظريات عديدة عن أصل الصخور وكيفية تكونها، وخصوا بالذكر الصخور الرسوبية وتعاقب الطبقات بعضها فوق بعض، والنيازك، واقترحوا لها تصنيفات فئوية؛ فقد قسموا النيازك إلى فئتين: حجرية وحديدية، وهو نفس التقسيم المتبع حاليًا. ولعل أول تلميح للتقسيم الحالي لما يسمى الصخور النارية، والرسوبية والمتحركة جاء في كتابات جابر بن حيان قبل عام 200هـ، 815م. وبذا يكون علماء الجيولوجيا العرب أسبق من غيرهم إلى ذلك، إذ نجد أن هذا الأمر لم يثر انتباه الجيولوجيين إلا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين، فيما سمي بالجدل بين البلوتونيين والنبتونيين.



عصر النهضة



كان عصر النهضة الأوروبية فترة لتجدد الاهتمام في مجالات عديدة للمعرفة، شملت دراسة الأرض. وأثناء عصر النهضة الأوروبية، قدم الطبيب السكسوني جورجيوس أگريكولا أهم المساهمات للجيولوجيا، حيث نشر أعماله عن المعادن والأحافير والتعدين وعلم الفلزات. وتضمنت كتب أجريكولا طبيعة الأحافير (1546م)؛ كتابه الفلزات (1556م) والذي أصبح الأساس للكتب الحديثة عن علم الفلزات والتعدين.
اعتقد الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس أن الأرض كوكب متحرك، وقدم فكرة عن أنها تدور حول محورها كل 24 ساعة، وتدور حول الشمس مرة كل عام. وذكر كوبرنيكوس أيضًا: أن الكواكب تدور حول الشمس وأن القمر يدور حول الأرض. وفي أوائل القرن السابع عشر الميلادي أيد الفلكي الإيطالي جاليليو هذه الأفكار عن طريق اكتشافات قام خلالها باستخدام التلسكوب (المقراب). كما اكتشف جاليليو أن الجاذبية تشد الأشياء نحو الأرض بنفس التسارع (معدل تجميع السرعة) دون اعتبار لوزنها. وكانت تجارب جاليليو الأساس الذي طوَّر على ضوئه العالم الإنجليزي السير إسحق نيوتن قانون الجاذبية الكونية في عام 1687م.
وفي عام 1669م، قدَّم الطبيب الدنماركي نيكولاوس ستينو مساهمة جيولوجية كبيرة. فقد أوضح أن طبقات الصخور تترسَّب دائمًا، بحيث تكون أقدم الطبقات في القاع وأحدثها في القمة. ويساعد قانون التطبق هذا، العلماء على تحديد الترتيب الذي حدثت فيه الأحداث الجيولوجية.



الجدل حول الصخر



في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي، نشأ جدل بين الجيولوجيين عن كيفية تكوُّن الصخور. فقد اعتقد عالم المعادن الألماني أبراهام جوتلوب فيرنر، أن المحيط قد غطى الأرض بالكامل في الماضي. واستنتج فيرنر وأتباعه أن المواد الكيميائية في الماء ترسبت ببطء على القاع حيث شكَّلت طبقات. وتتكون أقدم الطبقات المزعومة، (الطبقة السفلى) من الجرانيت. وقد اعتقد واضعو النظريات أن الأرض تشكَّلت بالكامل عن طريق ترسيب المواد الكيمائية المذابة في مياه المحيط وتبخرها تدريجيًّا. واعتقدوا أيضًا أنه لن يحدث للأرض أي تغيُّرات إضافية على الإطلاق. فقد انطلقت أفكار فيرنر وغيره على أساس افتراض أن جميع الصخور تشكَّلت من محيط كبير، وسمي هؤلاء بالنبتونيين، نسبةً إلى نبتون إله البحر عند الرومان.
ظلت ضروب التحريم اللاهوتية تعرقل دراسة أصل الأرض، وعمرها، وتركيبها، والبحث في قشرتها وما دونها، وفي زلازلها، وبراكينها، وفوهاتها، وأحافيرها. وكانت الأحافير تفسر عموماً بأنها مخلفات كائنات بحرية تركتها على الأرض مياه انحسرت عقب طوفان نوح، الذي كان الاعتقاد أنه غطى الكرة الأرضية. وفي 1721 قرر أنطونيو فالزنييري في كتابه عن الأجسام البحرية.... أن فيضاناً مؤقتاً لا يمكن أن يعلل راسباً من التكوينات البحرية بهذا الانتشار الواسع. ورأى أنطون مورو في كتابه "البندقية"، (1740) أن الأحافير قذفت بها ثورانات بركانية من البحر. فالأرض كانت في الأصل مغطاة بالماء، فدفعت النيران الباطنية اليابس الذي تحت الماء إلى فوق البحر الهابط، وكونت الجبال والقارات.
وقد خلف بنوا دماييه عند موته (1738) مخطوطة طبعت عام 1748 باسم "تياميد، أو لقاءات بين فيلسوف هندي ومراسل فرنسي" وقد ساق آراءه على لسان حكيم هندي، ولكن سرعان ما تبين أن "تياميد" ليس إلا "دمامية" مقلوباً، ولعل الزوبعة التي أثارها الكتاب قد صالحت بين مؤلفه وبين موته الذي أدركه في أوانه. ونظريته تزعم أن الأرض والجبال والأحافير لم تكونها الثورانات البركانية- بل الانحسار التدريجي للمياه التي غطت وجه الأرض فيما مضى من الزمان، وألمح ماييه إلى أن كل النباتات والحيوانات تطورت من كائنات بحرية مقابلة، لا بل الرجال والنساء تطوروا من أناسى البحر وعرائسه الذين فقدوا ذيولهم كما فقد الضفدع ذيله. وقد نشأ انحسار الماء عن البخر الذي هبط بمستوى البحر نحو ثلاثين قدماً كل ألف عام. وأنذر ماييه بأن المحيطات ستجف تماماً في النهاية، وستصعد النيران الباطنية إلى السطح وتفنى كل شئ حي.
وبعد "تياميد" بعام أصدر جورج لوى دبوفون أول مجلديه الرئيسيين اللذين أسهم بهما في علم وليد لم يزل مقمطاً في تكهنات لا سبيل إلى التثبيت من صحتها. وقد ألف "نظرية الأرض" (1749) وهو في الثانية والأربعين، " وحقب الطبيعة" (1779) وهو في الحادية والسبعين. وبدأ باحتياط على طريقة ديكارت، فسلم بدفعة أولى دفع الله بها العالم، وبعدها قدمت "النظرية" تفسيراً طبيعياً خالصاً للأحداث الكونية. وقد استبق آخر نظريات تكوين العالم بقرنين، إذ ذهب إلى أن الكواكب نشأت كشظايا انفصلت عن الشمس إثر مذنب قوي أو بفعل جذبه، فكل الكواكب إذن كانت في البداية كتلا منصهرة كالشمس الآن، ولكنها بالتدريج بردت وأظلمت في برد الفضاء.
أما "الأيام" التي استغرقتها الخليقة في سفر التكوين فلا بد من تفسيرها على أنها حقب، قد نتبين منها سبعاً:
اتخذت الأرض شكلها الكروي نتيجة لدورانها، ثم برد سطحها ببطئ (3.000 سنة).
تجمدت الأرض فأصبحت جسما جامداً (32.000 سنة).
تكاثفت الأبخرة التي غلفتها وكونت محيطاً عالمياً (25.000 سنة).
هبطت مياه هذا المحيط باختفائها في شقوق في قشرة الأرض، تاركة نباتاً على السطح، وأحافير على ارتفاعات شتى على اليابس (10.000 سنة).
ظهرت الحيوانات البرية (5.000 سنة).
فصل هبوط المحيط نصف الكرة الغربي عن نصفها الشرقي، وجرينلند عن أوربا، ونيوفوندلند عن أسبانيا، وترك الكثير من الجزر تبدو كأنها طالعة من البحر (5.000 سنة).
تطور الإنسان (000ر5 سنة)
ولاحظ بوفون بجمع هذه الحقب معاً أن حاصلها 58.000 سنة. ولعله كان يعجب لخيال الجيولوجيين الفائق في يومنا هذا، فهم يمدون عمر الأرض إلى أربعة بلايين سنة. وقد أسس بوفون علم الأحافير (البليونتولوجي) بدراسته العظام المتحفزة واستنباطه الحقب المتعاقبة للحياة العضوية منها. ويتبين منظوره وأسلوبه من الأسطر الأولى التي استهل بها "حقب الطبيعة" إذ يقول:
"كما أننا في التاريخ المدني نرجع إلى ألقاب الناس، وندرس العملات والمداليات، ونفك رموز الكتابات القديمة، لنحدد عصور الثورات الإنسانية وتواريخ الأحداث في تاريخ المجتمع، فكذلك يجب علينا في التاريخ الطبيعي أن ننقب في محفوظات الدنيا، ونخرج من أحشاء الأرض الأثار القديمة، ونجمع بقاياها، ونحشد في مجموعة من الأدلة كل الإشارات على التغيرات الفيزيائية التي تتيح لنا الرجوع إلى مختلف عصور الطبيعة. وهذا سبيلنا الأوحد إلى تحديد بعض النقط في الفضاء الشاسع، ووضع عدد من الشواخص على الطريق الأبدي للزمن. وما أشبه الماضي بالمسافات فبصرنا به كان يتناقص بل يتلاشى لولا أن التاريخ والترتيب وضعا المعالم والمشاعل في أشد نقطه ظلاماً"(72).
ثم لأنه لم يتوصل إلى علم الأحافير إلا في شيخوخته كتب يقول:
"إنني أترك أسفاً هذه الأشياء الخلابة، هذه الآثار الثمينة التي خلفتها لنا الطبيعة القديمة، والتي لا تمهلني شيخوختي لفحصها فحصاً يكفي لأن أستخلص منها النتائج التي أتصورها، والتي ينبغي ألا تجد لها مكاناً في الكتاب لأنها لا تقوم إلا على الافتراض، في حين أنني جريت فيه على سنة، هي ألا أعرض فيه غير الحقائق المبنية على الواقع. وسيأتي من بعدي آخرون. وكتابه "حقب الطبيعة" كان من أهم كتب القرن الثامن عشر. وقد أغدق عليه بوفون كل ما يملك من صنعة في الأسلوب، حتى أنه كتب بعض أجزائه من جديد سبع عشرة مرة (إذا صدقناه). وسكب فيه كل قوة خياله حتى لقد بدا أنه يصف، عبر فجوة من ستين ألف عام، تصورات فكره وكأنها أحداث تنبسط أمام عينيه . وقد أشاد جريم بالكتاب لأنه "من أروع القصائد التي جرؤت الفلسفة على أن توحي بها" وقال كوفييه في حكمه عليه إنه "أذيع أعمال بوفون قاطبة، مكتوب بأسلوب رفيع حقاً"(76). وفي هذه الأثناء حاول نفر من الدارسين أكثر تواضعا أن يرسموا خرائط لتوزيع المعادن في التربة. وقد ظفر جان جتار بثناء أكاديمية باريس للعلوم على كتابه "مذكرة وخريطة في علم المعادن" (1746) وبينما كان يبذل هذه المحاولة الأولى للقيام بمسح جيولوجي، اكتشف براكين خامدة في فرنسا، وعلل الرواسب المحيطة بها بأنها حمم متجمدة، والينابيع الحارة بأنها آخر مراحل هذه القوى البركانية. وحفز زلزال لشبونه جون متشل إلى إعداد "مقال في أسباب الزلازل وظواهرها" (1760)، وقد ذهب إلى أنها راجعة إلى الالتحام الفجائي بين النار والماء الباطنيين، مما أحدث بخراً متمدداً، وقد وجد هذا البخر منفذاً خلال البراكين والفوهات، ولكن إذا تعذرت هذه المخارج أحدثت اهتزازات في سطح الأرض. وهذه الأمواج الأرضية يمكن في رأي متشل رسمها لإيجاد بؤرة الزلزال. وهكذا تمخض علم الجيولوجيا الذي كان حدثاً بعد عن علم الزلازل.
كذلك اصبح علم طبقات الأرض فرعاً متخصصاً. فقد حار الناس في أصل طبقات القشرة الأرضية وتركيبها وتعاقبها. وأتاحت مناجم الفحم مفتاحاً لهذه الدراسات؛ ومن ثم قدم جون ستراتشي للجمعية الملكية (1709) "وصفاً غريباً للطبقات الأرضية لوحظ في مناجم فحم منديب بسمرستشير." وفي 1762 أصدر جيورج كرستيان فوشزل أول خريطة جيولوجية مفصلة، ووصف "التكوينات" التسعة في تربة تورنجيا، وأرسى مفهوم "التكوين" باعتباره تعاقباً لطبقات تمثل في مجموعها حقبة جيولوجية.
وتنازعت النظريات المتنافسة على أسباب هذه التكوينات. من ذلك أن ابراهام فرنر، الذي ظل اثنين وأربعين عاماً(1775-1817) يعلم في مدرسة المناجم بفرايبورج، جعل كرسي أستاذيته المقر الشعبي للرأي "النبتيوني"، وهو القائل بأن القارات، والجبال، والصخور، والطبقات قد نشأت كلها من فعل المياه، من هبوط محيط كان يوماً يغطي العالم-وهو هبوط بطيء أحياناً، مباغت أحياناً أخرى؛ فالصخور هي ترسب معادن تركها البحر جافة، والطبقات هي فترات هذا الانحسار ورواسبه.
وزاد هتن نار الجدل اشتعالا بتعليله تغيرات الأرض وتقلباتها. وقد أصبح هذا الرجل الذي ولد بإدنبرة في 1726، واحداً من ذلك الفريق الممتاز الذي ألف حركة التنوير الاسكتلندي-هيوم، وجون هوم، واللورد كيمس، وآدم سمث، وروبرتسن، وهتشسن، وماسكلين، ومكلورين، وجون بلايفير، وجوزف بلاك. تنقل من الطب إلى الكيمياء إلى الجيلوجيا، وما لبث أن تخلص إلى تاريخ كرتنا الأرضية استغرق أضعاف الآلاف الستة التي قال بها اللاهوتيون. ولاحظ أن الريح والمياه ينحران الجبال في بطئ ويرسبانها على السهول، وأن آلاف النهيرات تحمل إلى الأنهار، التي تحملها بعد ذلك إلى البحر، ولو استمرت هذه العملية إلى ما شاء الله لابتعلت المحيطات النهمة الثائرة قارات برمتها. ولعل جميع التكوينات الجيولوجيا نجمت عن هذه العمليات الطبيعية البطيئة كما نشهد اليوم في أي مزرعة تتعرى تربتها أو أي بحر يجور على اليابس، أو أي نهر قاعه في إصرار، تاركاً سجل مستوياته الهابطة على طبقات الصخور والتربة. وقد ذهب هتن إلى أن هذه التغيرات التدريجية هي الأسباب الأساسية لما يطرأ على أرضنا من تحول. وعنده أننا "في تفسيرنا للطبيعة، يجب ألا نستخدم قوي ليست من طبيعة الكرة الأرضية، وإلا نسلم بأي عمل إلا الأعمال التي نعرف مبدأها، وألا ندعى أي أحداث خارقة لنعلل بها ظاهرة شائعة".
ولكن إذا سلمنا بأن هذا التحات ظل آلاف الآلاف من السنين، فلم لا تزال هناك على ظهر الأرض؛ ويرد هتن بأن السبب هو أن المواد التي أزالها التحات وتجمعت في قاع البحر تتعرض للضغط والحرارة، فهي تنصهر، وتتجمع، وتتمدد وتتصاعد، وتطلع من المياه لتكون الجزر والجبال، والقارات. إما أن هناك حرارة باطنية فالدليل عليه ثوران البراكين. فالتاريخ الجيولوجي إذن عملية دائرة، انقباض وانبساط شاسعان لا يفتآن يصبان القارات في البحار ويرفعان القارات الجديدة في قلب تلك البحار. وقد أطلق الدارسون الذين جاءوا بعد هتن على نظريته اسم "الفلكانية"، (نسبة لڤولكان إله النار) لقيامها على تأثيرات الحرارة، أو "البلوتونية" نسبة إلى بلوتو الإله القديم للعالم السفلي.
وقد تردد هتن نفسه في نشر آرائه لأنه عرف أنها ستلقي المعارضة لا من المؤمنين بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس فحسب، بل من "النبتيونيين" على نحو لا يقل حدة. وقد وجد هؤلاء مدافعاً متحمساً في روبرت جيمسن أستاذ الفلسفة الطبيعية في جامعة إدنبرة. وقد اقتصر هتن أول الأمر على شرح نظريته لنفر من أصدقائه، فلما ألحوا عليه قرأ بحثين في موضوعها على جمعية أدنبرة الملكية، الحديثة التشكيل، في 1785. وكان النقد الذي وجه إليها مهذباً حتى عام 1793، حين هاجمه عالم معادن دبلني بعبارات أثارت حنقه، فرد بنشره كتاباً من عيون الجيولوجيا عنوانه "نظرية الأرض" (1795). ومات بعد ذلك بسنتين. وبفضل كتاب جون بلايفير الواضح الأسلوب "إيضاحات لنظرية هتن" (1802)، انتقل مفهوم التغيرات العظمى الناجمة عن العمليات البطيئة إلى علوم أخرى غير الجيولوجيا، وأعد أوربا لتطبيق داروين لهذا المفهوم على أصل الأنواع وتسلسل الإنسان.
قدم الطبيب الأسكتلندي جيمس هتون فكرة مختلفة إلى حدٍّ بعيد، حيث اعتقد هتون ومؤيدوه أن بعض الصخور تشكَّلت نتيجة برودة الحمم الساخنة من البراكين. وأطلق على هؤلاء اسم البلوتونيين نسبة إلى بلوتو إله الجحيم عند الإغريق. وفي عام 1785م قدم هتون مبدأ قانون التناسق في عمل اسمه نظرية الأرض. فقد ادعى أن الأرض تتغيّر تدريجيًا، وسوف تستمر في التغيُّر بنفس المنوال. وقال: إن هذه التغيُّرات من الممكن أن تُستخدم لشرح الماضي. مات هتون عام 1797م قبل أن تنال أفكاره قبول العلماء الآخرين. وبعد ذلك، وفي عام 1802م، نشر عالم الرياضيات الأسكتلندي جون بلافير رسومًا توضيحية جميلة، وأصبحت دليلاً يقتدى به في الفكر الجيولوجي.
وحتى في ذروة الجدل أهمل النبتونيون أعمال الجيولوجي الفرنسي نيكولاس ديسمارست. ففي عام 1765م أوضح ديسمارست أن صخور منطقة أوفيرن في وسط فرنسا الجنوبي كانت بركانية. وفي أوائل القرن التاسع عشر، حُسمَت القضية على يد اثنين من أشهر تلاميذ فيرنر، انضما للبلوتونيين، وهما ليوبولد فون بوخ وألكسندر فون همبولت. فقد غير فون بوخ وهمبولت وجهات نظر البلوتونيين، بعد زيارة أماكن متعددة منها منطقة أوفيرن وجبل فيزوف، (البركان الإيطالي). وأصبح الفكر البلوتوني، منذ ذلك الحين، هو الاعتقاد الأكثر قبولاً لدى معظم العلماء.



الجيولوجيا التجريبية



بدأت الجيولوجيا التجريبية نتيجة للزمالة بين هتون والجيولوجي والفيزيائي الأسكتلندي السير جيمس هول. أصبح هول مهتمًا بإثبات أفكار هتون، فقد قام بإجراء تجارب حيث صهر صخورًا في أفران ضخمة، كما لو كانت قد انصهرت في بركان. وجد هول أن الحجر الجيري المنصهر كوَّن عند تبريده رخامًا، وأن الصخر البركاني كوَّن جرانيتًا. وأوضح عمله هذا أن فكرة هتون التي تقول إن الأرض تتغير بالتدريج، فكرة صحيحة.
كان المهندس المدني الإنجليزي وليم سميث أول من استخدم الأحافير لمعرفة عمر الطبقات الصخرية. وقد أثبت أن نفس الأنواع من الأحافير توجد في نفس النوع من الطبقات، حتى وإن كانت في أماكن مختلفة. وفي عام 1815م نشر سميث أول الخرائط الجيولوجية موضحًا طبقات إنجلترا.
وفي عام 1822م، نشر كلٌّ من عالم التاريخ الطبيعي الفرنسي البارون جورج كوفييه، والجيولوجي الفرنسي الكسندر برونجنيارت، كتابًا وصف جيولوجية وأحافير منطقة باريس. وقد وجدا أن كل طبقة من الصخر تحوي مجموعات معينة من الأحافير، وأنه من الممكن تتبع هذه الطبقات عبر المنطقة كلها.
وفي عام 1830م نشر الجيولوجي الأسكتلندي تشارلز لايل أول مجلدٍ من كتاب مكوَّن من ثلاثة مجلدات اسمه أسس الجيولوجيا. ولقد كان هذا المجلد من أكثر الأحداث أهمية في تطور الجيولوجيا، كما أثّر كثيرًا في العلماء الآخرين. أيَّد لايل مبدأ التناسق لهتون الذي لم يكن إلى حدٍّ ما مقبولاً لدى العلماء. وخلال العقدين الرابع والخامس من القرن التاسع عشر الميلادي درس عالم التاريخ الطبيعي السويسري لوي أجاسي المجلدات الأوروبية. وقد اعتقد أن لوحًا ضخمًا من الجليد قد امتد فيما مضى من القطب الشمالي إلى وسط أوروبا. وشرح أجاسي كيف تغَير الحركة البطيئة لكتل الجليد سطح الأرض.
وفي عام 1846م بدأ المهندس الأيرلندي روبرت ماليت دراسة علمية للزلازل. وقد اكتشف كيفية قياس سرعة الذبذبات التي تنتج من انفجار بارود بندقية بالأرض. وقدم عالم الفيزياء الإنجليزي إرنست رذرفورد في عام 1905م فكرة عن أن نصف عمر المعادن المشعة يمكن استخدامه لقياس عمر المعادن. انظر: الكربون المشع. نشر الجيولوجي الأسكتلندي أرثر هولمز عام 1915م مقالاً عن الإشعاعية وقياس العمر الجيولوجي. وقد كان هذا العمل الأول من بين العديد من الأعمال التي تهتم باستخدام المواد المشعة للتعرف على عمر الصخور.
افترضت مجموعة من العلماء الأمريكيين عام 1968م نظرية مفادها أن الغلاف الخارجي للأرض يتكوَّن من صفائح صلبة كبيرة، وهي في حركة مستمرة. وتُسمى هذه النظرية تكتونية الصفائح، وقد ساعدت في تأكيد فكرة أن القارات تتحرك حول سطح الأرض. وهذه إحدى الأفكار الأكثر إثارة في عالم الجيولوجيا، لأنها تساعد في توضيح المعالم الجيولوجية مثل ظهور الجبال، والبراكين، والزلازل. وتعتبر نظرية تكتونية الصفائح بمثابة تطوير للنظرية القديمة عن الزحف القاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot